رسائل حب شرقية |
من (مي إلى العقاد)
أكتب إليك من بلد كنت دائما تعجب بشعبه , كما أعجب به أنا أيضا , ولكن إعجابي
بقصيدتك البليغة في معناها ومبناها فاق كل إعجاب . وقد اغتبطت بها غبطة لا حد لها ,
واحتفظت بها في مكان بين أوراقي الخاصة خوفا عليها من الضياع !
إنني لا أستطيع أن أصف لك شعوري حين قرأت هذه القصيدة . وحسبي أن أقول لك إن ما
تشعر به نحوي هو نفس ما شعرت به نحوك منذ أول رسالة كتبتها إليك وأنت في بلدتك
التاريخية أسوان .
بل إنني خشيت أن أفاتحك بشعوري نحوك منذ زمن بعيد .. منذ أول مرة رأيتك فيها بدار
جريدة المحروسة . الحياء منعني , وقد ظننت أن اختلاطي بالزملاء يثير حمية الغضب
عندك . والآن عرفت شعورك , وعرفت لماذا لا تميل إلى جبران .
لا تحسب أنني أتهمك بالغيرة من جبران , فإنه في نيويورك لم يرني , ولعله لن يراني ,
كما أني لم أره إلا في تلك الصور التي تنشرها الصحف . ولكن طبيعة الأنثى يلذ لها أن
يتغاير فيها الرجال وتشعر بالازدهاء حين تراهم يتنافسون عليها ! .. أليس كذلك ؟! ..
معذرة .. فقد أردت أن أحتفي بهذه الغيرة , لا لأضايقك , ولكن لأزداد شعورا بأن لي
مكانة في نفسك , أهنئ بها نفسي , وأمتع بها وجداني . فقد عشت في أبيات قصيدتك
الجميلة وفي كلماتها العذبة , وشعرت من معانيها الشائقة وموسيقاها الروحية ما جعلني
أراك معي في ألمانيا على بعد الشقة وتنائي الديار .
سأعود قريبا إلى مصر , وستضمنا زيارات وجلسات , أفضي فيها لك بما تدخره نفسي ويضمه
وجداني , فعندي أشياء كثيرة سأقولها لك في خلوة من خلوات مصر الجديدة , فإني أعرف
أنك تفضل السير في الصحراء وأنا أجد فيك الإنسان الذي أراه أهلا للثقة به والاعتماد
عليه .التوقيع : مي
------------------------------------
من ( العقاد إلى
مي)
سيدتي الآنسة
شكرك لي على الأبيات التي تفضلت بقبولها نعمة من نعم السماء وابتسامة في فم الحياة
. أتمنى لك من السعادة بقدر ما بعثته في نفسي وبثته في جوانب قلبي . ولست بخيلا
بالدعاء لو تعلمين حين أتمنى لك ’’ بقدر ‘‘ ما شعرت به .
... وإني أبصرك الساعة بين الماء والسماء فأشعر بوجود الله حقا , وأحس بمحضره قريبا
, لأنني لا أستطيع أن أعرف قوة غيره تحمل ذلك المهد السابح الذي أتمثلك فيه طفلة
وادعة في أحضان ذلك الحنان السرمدي العظيم ...
وهلا أحدثك بما أشعر به وأنا أكتب إليك من القاهرة وأنت في طريقك إلى مدينة غريبة
بعيدة بموقعها بعيدة بتاريخها القديم وذكرياتها الخالدة ؟ . إني على ما بي من الشوق
إلى رؤيتك وسماع صوتك لست أشعر البتة ـ وهذا ما أستغربه ـ لأنني أخط هذه السطور
لتصل إليك على البعد حيث لم أكن ولم تكوني قط قبل الآن , ولا أحس فضاء بين نفسينا
تتنقل فيه الرسائل ويقاس بمسافات البحار والآفاق وظلام الليل وبياض النهار . فلا
مثالك بعيد مني لأنه أقرب قريب إلى حيث هو حاضر أبدا أراه ولا أرى شيئا سواه ...
وليست هذه أول مرة أذكرك فيها بين معاهد البلاد الغائبة وظلال الأزمنة القديمة .
فقد ذكرتك في أسوان وذكرتك عند عرش إله النيل ومعبد إيزيس ...
فهل ستذكرينني ؟؟ إنني آمل وأتوسل . بل إنني واثق أنك ستذكرين ! واثق كل الثقة
وسعيد كل السعادة بهذه الثقة الغالية . فلا تنسي يا آنسة .. واعذري ولا تشتدي علي !
.. ولك مني أعز وأصفى ما ترسله نفسي إلى نفس من تحيات الشوق والرجاء و العطف والشكر
والاحترام .
التوقيع: العقاد